هناك، حيثُ تبسط الأرضُ جسدَها الأنثوي الأخضر، حيثُ تهمس الريح باسمي كما لو كانت تعرفه من زمنٍ بعيد... هناك تبدأ الحكاية…
اليوم أشد الرحال في سبع ساعات عبر محطات مختلفة لأبلغ وجهتي حيث ستكون إقامتي لأعيش الحلم الحقَّ وأختبر العودة والولادة التي تاقت لها روحي…
— نحو اللقاء العتيق 🦋
مسندةً رأسي إلى نافذة السيارة سارحةً مسبِّحةً للجمال مصدِّقةً الكشف الذي تلقيته يوم النزول والحلول، متصلةً بالسعة، منتشيةً من بهاء الأرض وسحرها الذي يخطف أنفاسي ثم يعيدها إليَّ يذكِّرني بتعميق النفَس امتناناً لمجرد التواجد في ذاك التقاطع من الزمان والمكان…
أخيراً وصلت إلى ساراماندالا، ولجت بوصولي نطاقاً جديداً وقديماً في آن، مشيت خطواتي الأولى حافيةً أسلِّم نزولي على الأرض التي لبّيتُها النداء وهي تدغدغ باطن قدماي احتفاءً بابنتها العائدة في لقاء لا يشبه غيره؛ لقاء لا أسميه وصولا بل وصالاً…
بينما أتمشى بحفاء في المكان، وَدَّ عقلي لو يقتحم المشهد قائلاً ”أنتِ الآن في مكان جديد وغريب، لكن لا تقلقي! فستعتادينه في الأيام القادمة” لكن صوتاً أكثر وقورا بداخلي كان يهمس لي بأنها ليست المرة الأولى، لست غريبةً على هذه الرقعة من الأرض يا إيمان، هذا ليس لقاءً أولاً، بل لقاءً عتيقاً تتذكرينه!
التقطت صنوبراً، تنفست عبق الأرض المُحيي والريح يلاعب خصلات شعري مُداعباً، لمحت نسراً يحوم برشاقة راسماً دوائر في السماء، فغرت فاهي حدَّ الابتهاج، ثم نزلت بناظريَّ قليلا أتأمل أغصان الأشجار الطويلة الدانية وهي ترحب بي، تُسلِّم نزولي، وتبارك حلولي كأنها تقول:
“تدللي يا ابنة الأرض، فهو حق”. 🍃




— غاية القدوم 🌀
قدِمت إلى هذا المكان الرائع جداً لأكون في رعاية عرين الحبيبة ونساء أخريات لسبعة أيام بلياليها لننهل من حكمة الأرض، نغني، نتعلم بالتجربة من النساء الأصليات عن علاجات غابات الأمازون، نُصغي السمع لحدسنا بالتواضع، نتصل بالعناصر عبر التسليم لطبيعة الأرض وطبيعتنا الداخلية، نعود لممارسة طقوس العناية الأنثوية العتيقة من مكان متصل، نتأمل في دواخلنا وفي بعضنا، نستثير نقاط الضعف والقوى فينا، والأهم لنتمكن أكثر من القيادة الذاتية بالعودة إلى نمط التعلم الدائري الذي يصون الفرادة ويستثير الحكمة…
كانت رحلةً فاتحةً للاحتمالات وكاشفةً لمكامن القوى المنسي منها والمنفي، كانت رحلةً للتذكر عبر التجسيد لا التلقين…
ففيها كان لي موعد مع تذكُّر ما أنسانيه الاستعمار الذي استمد قوته دهراً من انفصالي عن جسدي وما يحويه من حكمة وسرٍّ عتيق…
كان لي وصل حميمي مع الأرض وعودة إلى حال الاستمداد الفطري والغريزي منها بامتنان لعطاياها دون استنزاف…
كان التمشى بحفاء على العشب والتراب طقساً يومياً يذكرني بالجدوى من امتلاكي أقداما بتلك الهندسة المثيرة…
كان الاستلقاء في العراء إعادةَ تعريفٍ للاستراحة وممارسةً لحقي فيها…
كان الرقص سلوك تعبيرٍ إنسانيٍ فطريٍ عن أطياف مشاعري المختلفة، تارةً بعذرية وأخرى بجموح…
كان غذاء جسمي طيِّباً من الأرض، وإكرامُه شمساً حانيةً، ورَواؤُه ماءً دفاقاً…
كانت الأمومة شكل الرعاية الذي استقبلته تعبيراً عن الحب والحزم معاً…
كان النظر في عيون النساء تواصلاً ما بعد اللغة، وانعكاسهن تذكيراً بالقوى والهبات الكامنة…
كان التواضع للنهل من معارف ساحرات الغابة الحكيمات نمطاً للسلوك وللتعلم…
كان الحضور انتشاءً، والصمت سكناً، والسمع إرهافاً لِلُغات الكون حتى أستوعب عمق تجربتي الخاصة التي هي الفيصل والأصل الذي يُهمّ…
هذا وأكثر كان نصيبي من هذه التجربة العميقة، وهو ما وجب علينا تذكره وتجسيده، وجب أن نعود لتكوين الدوائر والحلقات وإعمارها للعودة إلى إنسانيتنا والفطرة.




— ملامح السير 🌺
سِرت وسعيت على الأرض والشمس تقع على بشرتي شفاءً، طليت جسمي بالطين كما كانت تفعل أمي وجدتي، وقعت في خوفي مسلِّمةً للبحيرة أن تغمرني بمائها الشافي وتغسلني كأنني وليدة حلَّت على الأرض لتوِّها… كان اختباراً برياً جامحاً، زاده جموحاً شهودي على النساء وشهودهن عليّ في مشهدٍ يثير الذكريات والمشاعر…
في طريق العودة تساءلت بفضول؛ ماذا بعد تحرير مقاومتي تجاه الأفعال التي تجب؟ ماذا بعد أخذ الخطوة الأصعب ما بعد تردّدي وشكّي؟ ماذا بعد تحرير صوتي وتسريح مقاومتي تجاه الحكم عليه؟ ماذا بعد الحركة خارج نطاق المألوف لدي؟ ماذا بعد السماح لجسمي أن يأخذ مساحته الكاملة كما تكون؟ ماذا بعد هذا؟
فهمَس جسمي مجيباً بعد هذا تتدفق البركة وتسري الحياة؛ كما يسري النفس داخل محرابي المقدس تسري الحياة؛ لما آخذ مساحتي الأوسع للتجسيد يأخذ السحر خطوةً باتجاهي…




ممتنة لعرين أن دعتني لأكون فيكون، ممتنة أنها ميسرة ولادتي، ممتنة أن كانت عريني الحاوي للقوى الدافعة لِما بعد الحدود للاتصال بمصادر الوفرة الكونية الخام واختبار السعة في الوجود…
هذا ما كان حتى الآن يا رفيقة، كانت نيتي أن أشارك أكثر من هذا، لكنني ارتأيت أن أكتفي بهذه النثرات حتى أفسح مجالاً أوسع لفصل الحكاية القادم حيث أفتح بوابةً جديدةً أعدكِ بأن تستثير حواسكِ والذكريات.
ألقاكِ تالياً لاستكمال الحكاية العتيقة.
إلى حين لقيانا اكتبي لي انعكاسكِ، وحدِّثيني كيف وجدتِ الحكاية حتى الآن؟ هل تشعرين بالرغبة والفضول لمعرفة المزيد؟ أو ربما للخوض في تجربة تذكر بريَّة كهذه؟
إيمان
إليكِ أجزاء الحكاية السابقة كاملةً وبالترتيب
- الجزء الأول: ما بعد النزول والحلول -
- الجزء الثاني: الأنوثة ماءاً دفّاقاً -
- الجزء الثالث: ما بين السخط والرضا تواضع لما خفي -
واستكمالاً للحكاية هاكِ - الجزء الخامس والأخير: موت صغير | ولادة البريّة الجامحة -
إنها تجربة مذهلة حقًّا، غريبة ملهمة رائعة كأنّ حدوثها كان مكتوبًا لك لتعيشيها في هذا التوقيت بالذات
وأنا أقرأ لم أشعر بالغربة بل كنت أقرأ كلمات إيمان الحبيبة
أشعر حين أقرؤها أنها "إيمان الكبيرة" وأحيانًا أخرى "إيمان الصغيرة"، ومرات "إيمان الحكيمة"
تهزّ هذه الأجزاء قلبي برفق، وكأنني ظلمتُ إيمان حين ظننت أنني عرفتُها من مجرد مكالمات قليلة
لكن الحقيقة أنني كنت أقرأ فصلاً كاملاً منها، من روحها
حين قرأت الجزء الثاني عن رقصةٍ مع رجل وكيف سارت بخفة وهدوء…
هذا الجزء حرّكني وخوّفني في آن
لأنني ما زلت أحمل مقاومة تجاه الرجال
لكن كلماتك احتضنت هذا الجزء بلطف وولّدت داخلي تساؤلات:
كيف يمكنني التعامل مع الرجال؟ كيف لا أشعر بالخوف في وجودهم؟
أحببت الصور التي التقطتها يا إيمان
كأنها صور مفعمة بالرحمة بالاتساع بالامتنان
شعرتُ حقًّا وكأن ذلك المكان هو بيتك الحقيقي
لم أستغرب،بل شعرت وكأنك كنت هناك منذ زمن طويل
شكرًا، شكرًا لمشاركاتك
شكرًا لأنك تمنحيننا هذا السحر
شكرًا لأنني كلما قرأت لك، شعرت أنني أتحرر، أنمو، وأتّسع وأشعر بالرحمة في داخلي
🙏♥️🌱🌟
هنيئا ونعيما يا إيمان هي ولادة جديدة حقا
استمتعت بالقراءة وكأني خضت تجربتك وعشتها
ما دمت تكتبين سنقرأ وبكل حب وفضول ♡