أهلا بك في الجزء الخامس والأخير من رحلة الفاتِحة التي أشارككِ فيها محطات من رحلتي إلى البرازيل وهذه المرة بكثير من الكشف والتكشف…
تلقين الأجزاء السابقة بالترتيب من هنا: الأول، الثاني، الثالث، والرابع.
في هذا الجزء من الحكاية، أروي لكِ عن عبورٍ فريد، عن موتٍ صغير
عن ولادةٍ تمَّت وصحوةٍ حقَّت، أحكي لكِ عن جوهرِ رحلتي الفاتحة؛
التي اختبرتُ فيها أحوالًا فائقةَ السِّحر، كثيرةَ المدد، غزيرةَ الرزق.
— ليلة العبور | تجربة الأياواسكا 🌿
لبست الأبيض ناويةً الفتح، قدمت للصالة حيث سنبيت الليلة مرتحلات ما بين العوالم، برعاية موسيقى قبائل الأمازون الأصلية، وأصوات البرية الجامحة التي تعكس القوى الكامنة.
بدأتِ الاحتفالية بطقس الرسم الحدسي على الجلد بخلاصات نباتات بريَّة، اتخذت مجلسي بفضول لأتلقى ترجمة ذبذباتي وطاقتي على جلدي، لما سُئلت عن اللون وموضع الرسم اخترت الأحمر الدموي وأشرت إلى وجهي، كانت نيتي من ذلك ألاَّ أرى الرسمة كي لا أقحم عقلي في التحليل أو حتى إبداء الإعجاب، كنت واضحةً مع ذاتي تمام الوضوح بأنني جاهزة للبحث ومستعدة للفتح ولا مجال لدي للانشغال بغير ذلك.
طوال فترة الرسم أليسي على وجهي وأنا أتأملها متيقظة الحواس، كانت امرأة حادة الملامح، شعرها أسود كحلي لامع كليل طويل مرصع بالنجوم، يشبه لون شعر أمي، وقْع أصابعها على بشرتي كان خفيفاً ونافذاً في نفس الوقت، كأنها كانت تخترق ما تلمسه، كأنها تستمد من داخلي حكايةً من المنفى وتترجمها على وجهي، كانت جلسةً تأمليةً عاكسةً لرؤى عتيقة نسجتها لمساتها وأنفاسي الواقرة.
بعدما أنهيت، أغمضت عيناي أتأمل الرسم دون أن أراه، أستشعره بحواسِّي الخفيَّة وأتلقى شفاءه.



شربت جرعتي الأولى من الأيواسكا —والتي هي عبارة عن مزيج من نبتتين بريتين من غابات الأمازون— وعُدت لمكاني لأبدأ رحلتي وأختبر الفتح.
كانت البداية بإرهاف السمع للموسيقى والمسح الضوئي بعيون مغمضة لاستشعار العالم المحيط طاقياً وذبذبياً، كانت حواسي قويةً، قدرة خارقة على السمع وفي نفس الوقت قدرة على إيقافه متى ما شئت، كان اختبار قوة عميقاً جداً.
— الإدراك شرط للشعور 🕯️
عدا قوة الحواس لم أشعر بشيء، وهنا تنزَّل عليّ كشف مضمونه أن "الشعور من عدمه يحتكم إلى مدى الإدراك وليس لما هو واقع في الداخل حقاً"...
سلَّمت لهذا الكشف وتنفست معه طويلاً واختبرته ملياً، ففهمت بأنني أخوض اختباراً الآن على مستوى غير المادي، لكن وعيي لا يزال عالقاً في البُعد المادي، وبما أن الاستشعار مرتبط بالإدراك، والإدراك يقتضي التواجد الواعي، فإنني لكي أشعر تماماً أحتاج تسليم جسدي وتسريح عقلي لكي أنقل وعيي إلى حيث الاختبار وأكون الشاهدة.
بعد فترة من الخوض مع هذا الكشف المُتلقَّى أخذت الجرعة الثانية لكي تعينني على التواصل أعمق مع القوى الإرشادية العتيقة بداخلي، لا أذكر تماماً كيف تمَّ الانتقال، ما أذكره هو أنني بدأت رحلةً بُعديةً تفوق الإدراك —الإدراك الذي تطلب وقتاً لكي يتنزل، لكي يتنقل من بُعد الاختبار إلى بُعد الوجود المادي حتى أقدر ترجمته إلى كلمات تُسطِّر تجربتي وتوثِّقها—
كانت الرحلة عبارةً عن موت صغير؛ لن أحكيها بالتفصيل ولن أعطي السياق بوضوح ولكنني سأعرج عليها في بضع أسطر بشكل مُشفَّر إكراماً لتجربتي الخاصة.
— موت صغير 🐦🔥🐦🔥
وجدت نفسي على عتبة عالم لا يشبه ما عرفته، اختبرت التواجد في أجساد كائنات أخرى، بدت الألوان ناصعة وواضحة تماماً وكأنني أرى بعيون غير عيوني، هناك تلقيت كشفاً آخر يقول أن:
"بدء الرحلة يحدث في نقطة معينة من الزمان، أما إدراكها فيحدث في نقطة مغايرة منه وبالتالي فإن الفيصل للشهود هو مكان تواجد الوعي".
في مرحلة ما غبت عن جسدي تماماً وكانت ردة فعل عقلي هي الذعر والرغبة في العودة إلى الجسد الآمن، هناك اختبرت الخوف حتى منتهاه، وأدركت أنه وسيلة غريزية للحماية من الموت لمَّا يُنظر إليه من بُعد مادي، ولكن جذره الضارب في عمق النفس هو رفض للانعتاق من الجسد.
في مرحلة أخرى شعرت بألم شديد في كامل جسمي، كان ألماً فائقاً بدأت أعتصر من ورائه وأبكي بكاء فقدٍ مرير بصوت مكتوم، لحظتها تذكرت كلمات النساء الراعيات الإرشادية قبل البدء:
"عندما تشعرين بالذعر وبأنك بلغتِ قدرة تحملك القصوى عودي إلى النفَس، تذكري أن تسلِّمي لقوة الغابة أن تقودكِ إلى حيث أنتِ مستعدة، ثقي بأنك في أمان"
لو لم تخترق كلماتهن جسدي وتسكن في مكان عميق بداخلي لما قدرت على تذكرها في لحظة الهلع تلك، وهنا أودّ التفصيل قليلاً:
أننا عندما نتلقى الحكمة من أي شخص فإن الأساس لوقورها ليس الفهم على مستوى العقل، وإنما قدرته —ذاك الشخص— على محاكاة دواخلك ما بعد اللغة، ما بعد العقل، بحيث تُفكّ الشفرة وتقَرُ الحكمة بكامل ثقلها في داخلك.
لذا كوني واثقةً ومطمئنةً دوماً بأن الحكمة إن كانت لائقة فإنها حتماً بداخلك، وبأنها سوف تصعد إلى سطح وعيك تماماً في الوقت الذي تحتاجينها فيه.
— التحمل مقابل الاتساع 🍃
بالعودة للقصة الأساسية… عُدت وسط البكاء لنفَسي وحدث أمر عجيب، لقد بدأ جسمي يسع كل ذلك الألم، لم أعد مرتعبة منه بل صرت قادرةً على احتوائه كاملاً.
هناك تلقيت كشفاً آخر يقول: "تحمل الألم ليس هو ما يجب بل الاتساع لاحتوائه كاملاً، حتى يمر من خلالنا بكامل كثافته ويسري سلاماً من حيث يمُرُّ (من الفؤاد أو البدن) وإلا فإن التحمل فيه شدّ، والشدّ فيه منع، والمنع يَحُول دون انتهاء الألم ويمنع بلوغه المنفذ”، ذلك أن:
“الأصل في الألم هو تشكيل المنفذ من خلال الجرح لكي يسمح بنفاذ النور"



— ولادة واحتفال 🌱
فتحت عيناي وكان الغناء لا يزال ينسج حولي هالة من الدفء الساحر كما الحضن، أخذت وقتي لاستيعاب عودتي لجسدي وللمكان ببطء، بدأت عيناي تعتاد نور الصباح الذي أطل وتُميز ملامح الملائكة الحارسة التي رعتنا طوال الليلة؛ عرين، ليلى، لوانا، بريسيلا، ماتسا، أليسي، ونساء أخريات
كان إحساسي بالزمن وإدراكي لوقعه عجيباً جداً… ليلة واحدة اتسعت لأعيش فيها عمراً كاملاً وتقلصت حتى حسبتها بضع سويعات.
ابتسمت امتناناً للشهود والفتح الذي تحصَّل وعرفانا بالشجاعة والتسليم… بعد بضع دقائق من هذا الحال انضممت إلى حلقة النساء الراقصات حول النار التي بدأت تخمد، رقصنا في صفوف ودوائر واحتفلنا بالعبور والشهود، غنينا، ضحكنا وتشاركنا الأحاديث البسيطة والنظرات العميقة.
كانت ليلةً ساحرة، ليلة اختبرت فيها مستوى مختلفاً من الأمان برعاية نساء بريَّات، برعاية الغابة، برعاية النار وعناصر الكون، رعاية فائقة.
ما حكيتُه لكِ اليوم هو بعضٌ مما قدرت على ترجمته من تجربةٍ عميقة لا تُختصر في كلمات… نيتي فيه كانت التعبير عن تجربتي وتمرير بعض بركاتها إليكِ.
الآن، أُسلِم القلم لكِ…
ما الذي لامسَكِ من هذه التجربة؟
وهل اختبرتِ عبوراً يفوق حدود جسدك؟
هذا ما كان يا رفيقة الرحلة، ممتنة دوماً لوجودكِ وإعمارك المساحة بيننا.
إيمان
عندما رأيت الصور من مشاهد الرسم الحدسي شعرت بشيء من الخوف ودهشةٍ غريبة اجتاحتني كان الأحمر الدموي على وجه إيمان مفاجئًا.. فملامحها البريئة التي اعتدتها بدت لي فجأة وكأنها تنتمي لنسخةٍ أخرى منها نسخة من نساء الذئاب أولئك اللواتي يسكنّ غاباتهنّ الخاصة، ويحكمنها كملكات
ارتبكت وشعرت بالذعر كما لو أن قلبي ارتجف للحظة لكنّ كلماتكِ على الرغم من كلّ هذا، منحتني شعورًا بالأمان
عندما قرأت:
> "لذا كوني واثقةً ومطمئنةً دوماً بأن الحكمة إن كانت لائقة فإنها حتماً بداخلك، وبأنها سوف تصعد إلى سطح وعيك تماماً في الوقت الذي تحتاجينها فيه."
لم أستطع أن أكذب على نفسي… نعم شعرت بالخوف كيف يمكن لتجربةٍ كهذه رغم كونها محرّرة أن تكون بهذا القدر من الغرابة والمهابة؟ كيف يخوضها الإنسان في مكانٍ بعيد مع أشخاص لا يعرفهم وبعيدًا عن دفء بيته وأهله؟
لكن حين واصلتُ القراءة وبلغتُ هذا المقطع:
> "كانت ليلةً ساحرة، ليلة اختبرتُ فيها مستوى مختلفًا من الأمان، برعاية نساء بريَّات، برعاية الغابة، برعاية النار وعناصر الكون، رعاية فائقة."
شعرت فجأة بشيء يتبدّل داخلي كأن جسدي الذي كان يرتجف بدأ بالاسترخاء شعرت بالأمان لم أكن أعلم متى فقدتُ شعوري بالأمان مع النساء لكنّ كلماتك لامست جزءًا عميقًا ومجهورًا في روحي…
النساء لسنَ مخيفات
النساء هنّ الأمان والدفء والوطن الأصلي
هنّ مرآة أنوثتي، وجوهر كياني كامرأة
ما الذي لامسني من هذه التجربة؟
لقد لامستْ جرحًا داخليًا قديمًا جرحًا تشكّل من شعورٍ بانفصال عن النساء ومن فقدان الثقة بوجودي بينهن
شعرتُ بالخوف وأنا أقرأ ولكنني أخذت نفسًا عميقًا أدركت أن النساء لا يُخِفن بل هن الأمان
وهذه التجربة التي مرّت بها إيمان حتى وإن قرأتها فقط دون أن أحضرها كشفت لي شيئًا خفيًا عن نفسي… عن علاقتي بالجسد، وبالأنوثة، وبالانتماء
أما عن سؤالك:
"وهل اختبرتِ عبورًا يفوق حدود جسدك؟"
فلا لم أختبر من قبل عبورًا يفوق حدود جسدي
لكنني الآن في شتائي الداخلي
وقراءتي لهذه التجربة جعلت جسدي يتأرجح بين الانقباض والانبساط بين الخوف والراحة بين التوتر والطمأنينة
شعرتُ وكأن شيئًا ما يعبر جسدي… عبورٌ غريب، لكنه صادق، ومحرّر
شكرًا لمشاركتكِ هذه التجربة الساحرة والثمينة
فقط بقراءتي عنها شعرت بالتكشف والمعرفة
شكرًا لكلماتك التي لامست روحي وتحدثت إلى جسدي
🫂🙏🥹♥️
اختبرتِ عبوراً يفوق حدودي وحَدِي اللانهائي🫂